محمد صلاح الآن يحتفل الفرعون

محمد صلاح الآن يحتفل الفرعون

الفتى البالغ من العمر 15 عاما في أزقة قرية نجريج بمحافظة الغربية في أبعد مكان ممكن عن ليفربول، استيقظ من نومه على وقع تأخره نصف ساعة عن موعد العربة التي تقله إلى محطة القطار، وسيلة المواصلات الأكثر ملاءمة لحالته المادية في ذلك الوقت كي يذهب إلى القاهرة، عينه تذهب إلى أبعد من القاهرة بكثير.. بكثير جدًا، لكنه الآن في مرحلة العربة والقطار والقاهرة والذهاب والعودة في نفس اليوم.

يلعب في القطاعات السنية الأدنى لنادي المقاولون، ينتظر فرصة تلوح مرة في العمر كي يتم تصعيده إلى الفريق الأول لخوض مباريات الدرجة الممتازة مع الفريق.
بعد نحو عام، يصعد محمد صلاح إلى الفريق الأول ويخوض موسمًا متميزًا سلط الأضواء عليه بشكل كبير، وبهدف في مرمى الأهلي وتألق مع منتخبات مصر في الفئات السنية الدنيا ثم المنتخب الأول في سن صغيرة للغاية مستفيدًا من اقتراب شمس الجيل الذهبي المصري من الأفول، أصبح الكل يتحدث عن موهبة ستنتزع الآهات من حناجر المصريين لا محالة.



رب ضارة نافعةتأتي كارثة بورسعيد ويتوقف النشاط الكروي في مصر، رب ضارة نافعة، وجد صلاح الذي كان يسابق الزمن للعب في نادٍ من ناديي القمة فرصة قلما تتوفر لشاب مثله في هذه السن الحديثة، مانويل جوزيه يريده في الأهلي، والشاب الذي يشجع الإسماعيلي وعليه يفضل الزمالك على المارد الأحمر، لم يكن يريد خطوة في مصر إلا للزمالك الذي كان قد أعلن عبر رئيسه ممدوح عباس، أن صلاح (لا يرتقي لمستوى القلعة البيضاء).

مرة أخرى.. رب ضارة نافعة، هذا هو العنوان الذي يختصر مسيرة الفتى، رفض الزمالك وكارثة بورسعيد أدنيا المسافة ربما من وجهة أخرى ستختصر عليه كل الطرق، سيتخطى الفتى الدلتاويّ مرحلة العربة والقطار إلى مرحلة الطائرة بسرعة، وحينما سئل في أول مقابلة صحفية بعد الاحتراف في بازل السويسري حيث قضى فترة معايشة أولى أكسبته ثقة الجانب السويسري عن أمنياته بعد نجاح خطوة الاحتراف قال: (لن أعود إلى مصر).

هنا رأى الأحلام.. أبعد حقًا من القاهرة، أبعد بكثير!.

خٌلق لتحطيم التاريخ

يبدأ الموسم الأول مع روما، انتقادات لاذعة في البداية لهذه الصفقة المكلفة لخزائن الجيالوروسي، يرحل رودي جارسيا ويأتي مدرب صعب المراس هو سباليتي في ذروة التوتر مع الملك فرانشيسكو توتي، وفي ذروة الانتقادات تقود روما إلى المنافسة بقوة قدر المستطاع مع اليوفي، تلعب دوري الأبطال وتنتقد غير مرة، يخرج سباليتي علنًا ليطالبك بأن تكون أكثر قوة وشخصية، ويخرج أحد أهم اللاعبين في تاريخ مصر ليقول إنك تفتقد (الكاريزما) وأن سباليتي قال ما قلته من عامين.. سيرون (الشخصية) إذًا بعد سنين.

عامان مع روما كنت فيهما ثاني هدافي الفريق، والآن الطاولة بها عرض لا يمكن رفضه، ليفربول بقيادة يورجن كلوب يراهن عليك للمستقبل، 38 مليون إسترليني كاملة من أجلك، وانتقادات مسبقة قبل أن تطأ حتى أرضية الميدان ولا صوت يعلو فوق صوت: (من هذا كي تدفعوا فيه هذا الرقم؟).. وكالعادة، رب ضارة نافعة.

تكون بطلا قوميًا حين تؤهل بلادك إلى كأس العالم بعد 28 عامًا، تمضي في مسيرة مذهلة مع ليفربول حين تصير أول لاعب يسجل 44 هدفًا في موسم واحد، تكون أول لاعب يتوج بلقب هداف الدوري الإنجليزي مرتين متتاليتين في الشكل الحديث للبطولة، تقود ليفربول لأول لقب في دوري أبطال أوروبا منذ 12 عامًا، ثم تكون جزءًا من صانعي المعجزة.. تحقق مع ليفربول أول لقب دوري إنجليزي منذ 30 عاما، تصنع مع فريقك ومدربك الفذ ما عجز عنه ستيفن جيرارد ومايكل أوين وميلان باروش وفيرناندو توريس ولويس سواريز وكتيبة من الجهابذة.

الفرعون يحتفل

أترون كم حقق صلاح من ألقاب حملت جملة (لأول مرة منذ..) ذلك التاريخ خُلق كي تحطمه أنت، لأنك حين كنت بعمر 15 عامًا لم تكن تريد القاهرة كما فعل كثيرون قبلك، لأنك أثبتّ بكل الطرق أن لديك شيئًا آخر تقدمه غير المهارة، أشياء أخرى غير كرة القدم، لديك اجتهاد يدفعك للأمام ويكسبك ما لم تكن تملك، هل كان صلاح يصوب من خارج المنطقة هكذا؟ هل تخيلت في أقصى أحلامك أن يقف على كرة ثابتة مع منتخب مصر.. لقد وقف على الكرات الثابتة في أنفيلد مع ليفربول.

الآن يرفع ليفربول لقب الدوري الإنجليزي لأول مرة من 30 عاما، بعد سنوات من المعاناة والترقب، عيون الكل تراقب، صحيح أن الأمر ليس متعلقًا بالفتى النجريجي فقط.. ولكن الآن، يستطيع الفرعون حقًا أن يحتفل.